أسباب انتشار الموضة بين الشباب

الدكتور حسين الدخيل
الأربعاء 16/7/2008
لاشك أن مفهوم الموضة لم يعد يقتصر في الوقت الراهن على لهاث الفتيات والشبان وراء أحداث فنون الموضة ومشاهدة القنوات الفضائية المختصة بعروض الموضة والمجلات المتخصصة

في ذلك ومتابعة أحدث ما تقدمه بيوت الأزياء العالمية من خطوط جديدة للموضة وتسريحات شعر جديدة وغيرها ،بل توسع هذا المفهوم ليشمل الكثير من المظاهر الأخرى يعتبرها الكثير من الشباب تخص الموضة بشكل أو بآخر مثل تدخين الفتيات للأركيلة ، وتشبه الشباب بالبنات في أوجه كثيرة كالباس وقصة الشعر ووضع المكياج والحركات الجسمانية والتغنج و ... الخ .‏

ويختلف الاهتمام والأزياء من فرد لآخر ، ومن مجتمع لآخر ، وتتفاوت أهميتها بين سكان المدن والريف ، وتختلف بأختلاف المستوى الاقتصادي والاجتماعي لكن المؤكد أن الشباب يعطي اهتماماً خاصاً بالأزياء ، دراسة حديثة توصلت الى أن الازياء تأتي على قمة اهتمامات الشباب وجاء فيها أن الشباب يستخدم الازياء كوسيلة للحكم على الآخرين ، حيث إن 24 % من الشباب يصدرون أحكامهم على الناس من خلال مظهرهم ،وأن 60 % من الشباب يمكنهم التوصل إلى استنتاج بعض السمات الشخصية للآخرين اعتماد على المظهر وحده !‏

أسباب انتشار الموضة بين الشباب :‏

هناك خصائًص تميز مرحلة الشباب وتؤثر على اختيار أزيائهم مثل التغيرات النفسية واليزيولوجية التي يمر بها الشباب في هذه المرحلة ، وتؤثر على حالتهم الإنفعالية مما يجعلهم سريعي الانفعال ويتميزون بالحساسية والتقلب المزاجي وهذا يجعلهم أكثر تأثرا بالألوان والخطوط ويدفعهم الى اختيار الازياء التي تحقق لهم انسجاماً مع النمط اللائق والذي يساعدهم على تحقيق الاستقرار النفسي وتبعدهم عن الشعور بالخجل والانطواء ، هذا بالإضافة الى مايتميز به الشباب من تهور وانطلاق ، وهو مايدفعه الى الاستجابة لسلوك الجمهرة الثائرة مثل ارتداء الأزياء الغربية ومتابعة الموضات الغربية بشكل عام .‏

كما يبدو هناك اتفاق ضمني بين جماعة الاصدقاء على نمط معين للأزياء ربما لإيجاد حوار بينهم ، هذا الى جانب غزو الملابس الغريبة للأسواق ورغبة الشباب في لفت الانظار إليهم لارتفاع الإحساس بالذات لديهم ، وكذلك فإن انتشار الفضائيات والفيديو كليبات جعل من المطربين وعارضات الأزياءنماذج مثالية يقلدها الشباب وهم يميلون الى ارتداء الازياء الغربية ، وقد يرتدي الشباب الازياء الغربية ولايعلمون معنى الكلمات المطبوعة عليها ، ولو علموه لرفضوه ، فهو يعبر عن ثقافات أخرى ، يؤدي مع الوقت لفقدان الهوية والشعور بالأمان والانتماء ، ولعل الانفتاح على الخارج من أبرز الظواهر الاجتماعية الجديدة ، كشف عن القدرة الهائلة للمجتمع على امتصاص وهضم الثقافات والعادات الاخرى ، وبطبيعة الحال ترواحت القابليات على الامتصاص و الهضم من قطاع لآخر ، فالشباب بحكم تكوينهم النفسي ونشاطهم الدؤوب على اشباع الغريزة ، كانوا الاكثر استجابة وتفاعلاً مع ممليات الانفتاح ، ولغياب البديل المحلي القادر على ابطال مفعول سلبيات الانفتاح ، أصبح الشباب يميلون الى كل أجنبي وإن كان متخلفاً أو منبوذاً حتى في المجتمعات التي نشأ فيها ، وأصبحت ساحتنا وكأنها مرمى نفايات للثقافات الكاسدة ، وندرك بدون شك أن تركيزاً كثيفاً من أغلب شركات التسلية على الشباب باعتبارهم أكبر مستهلك لمنتجاتها ، وهذه الشركات تساهم في صياغة الثقافة بالشباب (youth culture)، فهناك ميل دائم لدى المؤسسات الاستهلاكية المتخصصة تسمح للمراهق بأن يبقى مجذوباً لمجتمع الاستهلاك لأطول فترة ممكنة لأنه يمثل زبونها الرئيسي فلا بد من المحافظة على هذا السوق وإن كان بتدميره نفسياً واخلاقياً واجتماعياً خصوصاً إذا عرفنا أن الاشياء المصنعة ليست دائمة بل هي حسب الموضة واحتياجات السوق في الوقت ذاته مازلنا متقاعسين عن انتاج هذه الثقافة بما يتناسب مع ذوق وحاجات الشباب ، ويجب أن ندرك أيضاً ، أن المنتج الاجنبي بطابعه الاستهلاكي دخل كأحد العوامل الفاعلة في إحداث اختلالات نفسية واجتماعية في أوساط الشباب ، ولا شك ان هذه الاختلالات تخدم السياسة الاستهلاكية التي رسمتها شركات التسلية ، حتى أصبح من أهدافها ضخ المزيد من المنتجات التسلوية المحفوفة بغمام كثيف من الدعاية والتي تساهم في نهب الشباب الى مجتمع القلق ، فالاحصائيات تشير الى أنه خلال العشرين سنة الاخيرة بدل 58 بالمئة من الشباب في الولايات المتحدة سلوكياته بفعل الثقافة الاستهلاكية الجديدة ، وأن 08 بالمئة من الشباب في كل من بريطانيا وفرنسا والمانيا يعيش حالة قلق من المستقبل فيما تتجه اصابع الاتهام الى شركات التسلية ودورها في بث نوع من الثقافية الاستهلاكية يؤدي في ظاهرة الى اشاعة أجواء مفعمة بالمرح ، وفي باطنها الى اخماد جذوة الطموح في داخل هذا القطاع ، ولاشك أن الشباب في مجتمعاتنا هم جزء من سوق الاستهلاك الذي تريد الشركات الاجنبية الحفاظ عليه بل وبذل المزيد من الجهود لأجل توسعته ، فشبابنا يستهلكون عبر وسائل عدة ما ينتج في الغرب ، فالثقافة المبثوثة عبر الفضائيات تعكس صورة المجتمع الغربي بكل تناقضاته ، ويتم عبر هذه الصورة شحن الجهاز العاطفي للشباب ، والتي تنمي ميولات نفسية معينة تساهم بصورة وأخرى في صياغة الشخصيية كما تساهم في تشكيل ملامح ثقافة الشباب واستطراداً تساهم هذه الفضائيات في تشجيع ميول التمرد على تقاليد الاسرة والمجتمع ، يأخذ التمرد في أحيان كثيرة أشكالاً راديكالي ، كالقتل ، والأدمان على المخدرات ، والسرقات المسلحة ، وفي احيان أخرى اشكالاً كثيرة هادئة : كالاستماع للاغاني الغربية الصاخبة بكل هذياناتها ، والتسلي المفرط بالسيارات و السهر لساعات متأخرة خارج البيت ، والعلاقات غير الشرعية بين الجنسين ، وارتداء الملابس الغريبة ، واقتناء المجلات الفنية أو الرياضية ، وهذه الاشكال هي في الواقع عبارة عن التعبيرات العلنية لسيكولوجية الشبابا وحياة القلق والفراغ التي يحيا فيها الشباب الغرب ويراد نقلها الى شبابنا ، كما يجب أن لاننسى أن الشباب جزء من المجتمع وهم نتاج لما يمر به المجتمع من ظروف سياسية واقتصادية واجتماعية ، ويظهر ذلك جلياً إذا قارنا بين القضايا المطروحة للنقاش الآن عن الفترات السابقة ، فقديماً كان هناك نقاش حول قضايا مثل الحرب والوحدة العربية والمعسكر الغربي والشرقي وغيرها من القضايا ، التي كانت تشغل بال المجتمع ، أما الآن فأصبح ينظر الى من يتحدث بهذه الامور وكأنه قادم من كوكب آخر ، هذا بالإضافة الى ما يعاني منه الشباب من بطالة واحباط ، وماتعانيه الأسرة من غياب الحوار والتفكك وكثرة الأمراض الاجتماعية التي يعاني منها المجتمع ، وهو مايدفع الشباب للاهتمام بالغريب من الافكار والازياء لعدم وجود قضايا جوهرية تشغل بال الشباب .‏

معالجة الموضة‏

أعتقد أن للمؤسسات التعليمية وخاصة الجامعات التي تسمح للشباب بارتداء مايروق لهم من أزياء تحت مسمي الحرية الشخصية دور مهم بهذا الجانب ، فلابد من وجود ضوابط للزي الجامعي الموحد للجامعات ، لكن أن يكون للأستاذ الجامعي سلطة منع الطالب غير الملتزم بأزياء جادة تلائم قدسية العلم من الدخول الى قاعات المحاضرات ، ولابد من عودة الأسرة لممارسة دورها المفقود في تنيمة الذوق الراقي وكذلك للإعلام دور عن طريق مايعرضه من دراما تلفزيونية فلابد من الحرص على أزياء تبرز الهوية الوطنية ، وأخيراً يأتي دور بيوت الأزياء التي عليها العودة بالشباب الى اللائق لثقافتنا ومجتمعنا .‏